
من هو سليمان الراجحي؟
سليمان الراجحي هو رجل أعمال وملياردير سعودي، يُعد واحدًا من أبرز الشخصيات الاقتصادية في العالم العربي، وقد عُرف بقصته الملهمة التي بدأت من الفقر المدقع وانتهت ببناء واحدة من أكبر المؤسسات المصرفية الإسلامية في العالم – مصرف الراجحي.
عنه:
-
الاسم : سليمان بن عبد العزيز الراجحي
-
تاريخ الميلاد: 1929
-
مكان الميلاد: البكيرية – القصيم، المملكة العربية السعودية
-
الوفاة: 3 يوليو 2023 (عن عمر 94 عامًا)
-
المهنة: رجل أعمال، مصرفي، صاحب أعمال خيرية
-
أبرز إنجازاته: تأسيس مصرف الراجحي، إنشاء أوقاف ومؤسسات خيرية، التبرع بمعظم ثروته للأعمال الإنسانية
شركاته:
-
مصرف الراجحي: هو بنك سعودي تأسس عام 1957، ويُعتبر اليوم أحد أكبر البنوك الإسلامية في العالم من حيث رأس المال وفقًا لبيانات عام 2015. يُعتبر المصرف من أكبر المستثمرين في قطاع الأعمال داخل المملكة العربية السعودية، كما أنه واحد من أكبر الشركات المساهمة في المملكة، حيث يدير أصولًا تتجاوز 330.5 مليار ريال سعودي، ويضم أكثر من 600 فرع. موقع البنك
-
شركة دواجن الوطنية: أكبر شركة دواجن في الشرق الأوسط. تأسست عام 1977 ومقرها منطقة القصيم, المملكة العربية السعودية و تعمل الشركة في قطاع إنتاج الدواجن و المنتجات الغذائية المرتبطة تُعد من أكبر مشاريع إنتاج الدواجن المتكاملة في العالم. كما تنتج الشركة أكثر من 500 ألف دجاجة يوميًا. وتغطي منتجاتها السوق المحلي وعددًا من الأسواق الخليجية والعربية. كما تتبع معايير إسلامية وصحية صارمة في الإنتاج. و تعمل الشركة وفقًا لمبادئ الزراعة النظيفة والاستدامة البيئية. موقع الشركة
-
الوقف الخيري: خصص معظم ثروته لدعم التعليم، الصحة، والدين، عبر مشاريع مستدامة.

النشأة والبدايات الصعبة – رحلة بدأت من لا شيء!
وُلد سليمان الراجحي عام 1929 في مدينة البكيرية، الواقعة في منطقة القصيم وسط المملكة العربية السعودية. نشأ و ترعرع في بيئة بسيطة تعاني من الحرمان المادي وقلة الموارد. كان والده يعمل في مهن متواضعة لإعالة أسرته الكبيرة، وكانت الحياة في ذلك الوقت مليئة بالتحديات اليومية، خصوصًا في ظل غياب الخدمات الأساسية وانتشار الفقر في معظم أرجاء الجزيرة العربية.
منذ صغره، كان سليمان يشعر بالمسؤولية تجاه أسرته. ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة، واختار النزول إلى سوق العمل في سن لا تتجاوز العاشرة. لم يكن هذا القرار نابعًا من رغبة، بل من ضرورة قاسية فرضتها الظروف.
العمل اليدوي المتواضع
بدأ العمل في حمل الأمتعة للناس في الأسواق، وكان يتقاضى أجرًا زهيدًا لا يكاد يكفي لسدّ رمق يومه. ثم انتقل إلى أعمال أخرى مثل تنظيف المحلات وبيع الكيروسين والحطب. لم يكن هناك مكان للراحة، فقد كان يعمل في النهار تحت الشمس، ويعود ليلًا منهكًا لكنه فخور بكرامته وكسبه الحلال.
رغم بساطة عمله وصعوبته، تميز سليمان الراجحي بروح الاجتهاد والرضا، وكان يؤمن أن “اليد التي تعمل لا تُهزم”، وهي العبارة التي كررها في العديد من مقابلاته لاحقًا. هذه الفلسفة العملية التي اتخذها في صغره، ظلت رفيقته طوال حياته.
لقد عاش سنواته الأولى في عزلة عن الترف والفرص الكبيرة، لكنه لم يفقد الأمل يومًا، بل كان يزرع في نفسه حلمًا بأن يصبح له مكان في عالم التجارة والنجاح، وأن يخرج من عباءة الفقر إلى فضاء الإنجاز والعطاء.
ما يميز نشأة الشيخ سليمان الراجحي ليس فقط الفقر الذي عاشه، بل كيف تفاعل مع هذا الفقر. لم يكن منهزمًا أو ساخطًا، بل كان يرى في كل فرصة صغيرة بابًا لبناء شيء أكبر. هذا الإيمان، مع العمل المستمر والإخلاص، كان أساس تحوّله لاحقًا إلى أحد أعظم رجال الأعمال والمانحين في العالم الإسلامي.
البداية الحقيقية: طريق التجارة
بعد سنوات من العمل اليدوي الشاق في طفولته، بدأت تتبلور لدى سليمان الراجحي ملامح الطموح التجاري، وكان يبحث دائمًا عن فرص جديدة لتوسيع دخله وتعلّم مهارات البيع والشراء. لم يكن يملك رأس مال يُذكر، لكنه كان يمتلك رأس مال لا يُقدَّر بثمن: الذكاء التجاري، وحُسن التصرف، والصدق.
بيع الكيروسين والأخشاب: أول مشروع بسيط
في الخمسينات، بدأ سليمان مشروعًا صغيرًا لبيع الكيروسين (الوقود المستخدم للإضاءة والطهي آنذاك)، وكان يشتريه بكميات بسيطة ويوزّعه على الأهالي في الأحياء القريبة. كما عمل في بيع الأخشاب التي كانت تُستخدم في البناء والتدفئة.
كان يتنقّل بين الأحياء، يحمِل البضائع على عربات بسيطة، ويعرضها بنفسه على الزبائن. هذا النوع من التجارة علمه أساسيات السوق:
-
كيف يشتري بسعر منخفض ويبيع بسعر معقول.
-
أهمية التعامل الحسن مع الزبائن.
-
إدارة الأرباح القليلة بحكمة كبيرة.
رغم بساطة هذه التجارة، إلا أنها زرعت في نفسه روح الريادة والاستقلال المالي.
صرف الحجاج : أول احتكاك بعالم المال
مع مواسم الحج، بدأت تظهر فرصة جديدة في مدينة مكة، حيث كان يأتي الحجاج من مختلف دول العالم، حاملين معهم عملات أجنبية يرغبون بتحويلها إلى الريال السعودي للإنفاق خلال رحلتهم.
رأى سليمان في ذلك فرصة نادرة، فانضم إلى مجال “صرف الحجاج”، وهو نشاط يتطلب:
-
التعامل مع عملات متنوعة (دولار، جنيه، روبية، إلخ).
-
الثقة والأمانة العالية، لأن الأموال كانت تُسلّم نقدًا.
-
السرعة والدقة في الحسابات اليدوية دون أجهزة.
-
معرفة بأسعار الصرف المتغيرة يوميًا.
ورغم أن هذا العمل كان محفوفًا بالمخاطر، خاصة مع اختلاف العملات وعدم وجود أنظمة رقابة واضحة في ذلك الوقت، إلا أن سليمان برع فيه بسرعة. كان يتعامل مع الحجاج بابتسامة وأسلوب لبق، ما جعل الكثير منهم يفضلونه على غيره.
نقطة التحول الكبرى
هذا العمل كان التحول الحقيقي في مسار حياته، لأنه:
-
عرّفه على عالم المال الحقيقي: تداول العملات، الربح من الفروق، وفهم العرض والطلب.
-
وسّع شبكة علاقاته، وبدأ يتعامل مع تجار كبار ومكاتب صرف.
-
وفّر له رأس مال بسيط لكنه كافٍ لبدء مشاريع أكبر لاحقًا.
-
علمه أهمية الثقة في بناء السمعة التجارية، وهو ما ساعده لاحقًا في تأسيس مصرف الراجحي.
دروس من هذه المرحلة:
-
لا تستهن بأي عمل صغير، فقد يكون بوابة النجاح الكبير.
-
الفرص لا تأتي جاهزة، بل تُصنع بالاجتهاد والانتباه للتفاصيل.
-
بناء الثقة مع العملاء أهم من تحقيق الربح السريع.
هذه المرحلة من حياة سليمان الراجحي كانت بمثابة “المدرسة العملية” التي صنعت منه تاجرًا متمكنًا وإنسانًا ذا رؤية اقتصادية نادرة.

تأسيس مصرف الراجحي وتحوّله إلى عملاق مصرفي
بعد أن جمع سليمان الراجحي وأشقاؤه رأس المال من تجاربهم التجارية الناجحة، قرروا تأسيس مصرف الراجحي، الذي كان بداية جديدة ومختلفة في عالم المال والأعمال في السعودية.
البداية المتواضعة للمصرف
انطلق المصرف بفكرة بسيطة لكنها ثورية في ذلك الوقت: تقديم خدمات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، خصوصًا في مجتمع كان لا يزال الاقتصاد فيه يعتمد بشكل كبير على النقد والتجارة التقليدية.
افتتحوا أول فرع صغير في الرياض، وركزوا على خدمة الأفراد والتجار المحليين، مع الالتزام التام بمبادئ الإسلام في المعاملات المالية، مثل تجنب الربا والمعاملات الربحية غير المشروعة.
النمو والتوسع
بفضل الثقة الكبيرة التي بناها الراجحي وأشقاؤه في المجتمع، بدأ المصرف ينمو بسرعة. وقد تميز المصرف بما يلي:
-
الشفافية والصدق في التعامل مع العملاء.
-
تقديم خدمات مالية مبتكرة مثل حسابات الادخار والقروض بدون فوائد.
-
دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما ساعد على تنشيط الاقتصاد المحلي.
بحلول السبعينيات، توسع المصرف إلى عدة مدن سعودية، وأصبح مصرف الراجحي رمزًا للثقة والاستقرار في القطاع المصرفي السعودي.
التحول إلى بنك إسلامي عالمي
مع مرور الوقت، اتخذ المصرف خطوات كبيرة ليصبح:
-
أكبر بنك إسلامي في العالم من حيث رأس المال والأصول.
-
مؤسسة مالية تحترم تمامًا الشريعة الإسلامية، مما جعله وجهة مفضلة لعملاء من داخل وخارج السعودية.
-
له أكثر من 600 فرعًا داخل المملكة وخارجها، ويخدم ملايين العملاء.

إرث الشيخ سليمان الراجحي في المصرف
لم يكن المصرف مجرد مشروع ربحي للشيخ سليمان، بل كان رسالة اجتماعية واقتصادية:
-
دعم التنمية الاقتصادية في السعودية.
-
خلق فرص عمل للآلاف.
-
تعزيز ثقافة العمل التجاري النظيف والأخلاقي.
-
المساهمة في دعم القطاعات الخيرية من خلال أرباح المصرف.
دور مصرف الراجحي في الأعمال الخيرية
منذ تأسيسه، لم يكن مصرف الراجحي مجرد مؤسسة مالية تسعى إلى الربح فقط، بل كان له دور بارز في دعم المجتمع السعودي وتعزيز العمل الخيري، وهو ما يعكس شخصية مؤسسه الشيخ سليمان الراجحي الذي عرف بكرمه ونزاهته.
التزام المصرف تجاه المجتمع
حرص المصرف على تخصيص جزء من أرباحه لمشاريع خيرية وتنموية في مختلف المجالات، منها:
-
تمويل المشاريع التعليمية: دعم بناء المدارس والجامعات وتقديم منح دراسية للطلاب.
-
الرعاية الصحية: دعم المستشفيات والعيادات وتوفير العلاج للفقراء.
-
تنمية الأسر المحتاجة: برامج لدعم الأسر الفقيرة وتمكينها اقتصادياً.
-
المشاريع الدينية: بناء المساجد والمراكز الإسلامية.

صندوق الراجحي الخيري
أسس المصرف مع الشيخ سليمان صندوقًا خيريًا متخصصًا، يُدار بحرفية تامة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه بشفافية ومصداقية. هذا الصندوق:
-
يمول مشاريع تنموية مستدامة.
-
يدعم الجمعيات الخيرية المحلية.
-
يساهم في مشاريع إغاثة عاجلة داخل السعودية وخارجها.
أثر الأعمال الخيرية على سمعة المصرف
ساهم التزام مصرف الراجحي بالأعمال الخيرية في تعزيز الثقة والولاء لدى العملاء، وجعل من المصرف مؤسسة متميزة في دمج الأعمال الربحية مع المسؤولية الاجتماعية.
إرث الشيخ سليمان الراجحي في العمل الخيري
لم يكن العطاء مقتصرًا على المصرف فقط، بل الشيخ سليمان شخصيًا تبرع بأغلب ثروته للأعمال الخيرية، مؤسسًا العديد من الأوقاف التي تهدف إلى:
-
دعم التعليم
-
الرعاية الصحية
-
تنمية المجتمع
دروس من قصة سليمان الراجحي
-
لا تقلل من أي عمل مهما كان بسيطًا.
-
النجاح الحقيقي لا يُقاس بالمال فقط، بل بالأثر.
-
الأمانة والإخلاص تصنع الثقة والفرص.
-
العطاء جزء من الهوية الناجحة.
خاتمة
تُجسد قصة الشيخ سليمان الراجحي نموذجًا حقيقيًا للنجاح الذي ينبع من الإصرار، العمل الجاد، والتمسك بالقيم الأصيلة. من طفل بسيط يبيع الكيروسين والأخشاب، إلى واحد من أعظم رجال الأعمال في العالم الإسلامي، أثبت الراجحي أن الطريق إلى النجاح ليس سهلاً، لكنه ممكن مع العزيمة والصبر.
لقد كان إيمانه العميق بأهمية الأمانة، الثقة، والعطاء هو سر استمرارية نجاحه، ليس فقط كمستثمر ورجل أعمال، بل كإنسان كان يرى في ثروته وسيلة لخدمة مجتمعه وأمته.
قصة سليمان الراجحي هي دعوة لكل من يقرأها، أن يبدأ من حيث هو، ويعمل بما يملك، ليصنع لنفسه ولمجتمعه مستقبلًا أفضل.